باكو– لم يقتصر تأثير عودة إقليم ناغورني قره باغ الي السيادة الأذربيجانية -بعد صراع استمر لعقود مع أرمينيا- على الأبعاد الجيوسياسية، بل برزت الي جانب ذلك اهميه الإقليم الاقتصاديه، التى كثيرا ما غطت عليها الحروب والنزاعات المتكررة.
وعلى الرغم مـن الْأَوْضَاعُ الاقتصاديه المتردية وضعف الموارد الذى عانت منه أرمينيا (التى كانـت تسيطر على قره باغ) السنوات السابقة، إلا أنها مولت ما بين 50% و60% مـن نفقات ميزانية الإقليم، والتي صُنفت “قروضا بين حكومات”. وعام 2022، جاء الي قرض الميزانية مـن أرمينيا للإقليم نحو 404 ملايين دولار، وهو ما وفّر ما يقرب مـن 88% مـن النفقات.
وبالإضافة الي المساعدة المالية، قدمت أرمينيا أشكالا أخرى مـن المساعدة للإقليم، بما فى ذلك التبرعات العينية الدورية مـن السيارات الي خدمات الحاسوب، حسب ما ذكرت مجموعه الأزمات الدولية فى تقرير صدر فى ديسمبر/كانون الاول 2021.
علاوة على ذلك، تلقى قره باغ فى السابق مساعدات مـن منظمات الشتات الأرمني العالمي، لكن المبلغ الإجمالي للمساعدة لم يتم ذكره بأي قوية رسمية، كَمَا يقول المقال نفسه.
العهد الجديـد
فى المقابل، تشير التصريحات الرسمية للمسؤولين فى أذربيجان الي ان باكو تسابق الاحداث الان لحسم ملف التكامل مع الإقليم، بما فى ذلك ما يتعلق بالمواطنين الأرمن الذين تشير آخر البيانات الي ان أكثر مـن 90% منهم قد غادروا الإقليم، مما يعني ان باكو أصبحت أكثر قربُا مـن الانتباه على الاعلان عملية “إعادة تأهيل” للاقتصاد المنهار فى قره باغ.
ووفقا للخبير الاقتصادي الأذربيجاني أورخان غاليلوف، مـن المتوقع ان ينمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 0.8% بعد استعادتها للإقليم وإطلاق عملية التكامل الاقتصادي معه، مع العلم ان الناتج المحلي الإجمالي جاء الي عَامٌ 2022 ما قيمته 78.7 مليار دولار، وفق بيانات لجنة الإحصاء الأذربيجانية.
ويشير غاليلوف -فى حديث للجزيرة نت- الي ان نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي للإقليم، الذى جاء الي العام الماضي نحو 700 مليون دولار، يأتي مـن تعدين الذهب والفضة والنحاس وأحجار البناء، فضلا عَنْ ان العديد مـن محطات الطاقة الكهرومائية المحليه تجعل مـن الممكن تصدير الكهرباء، مما سيشكل إضافة عملية للخزينة الأذربيجانية.
علاوة على ذلك، مـن شأن استتباب الْأَوْضَاعُ فى الإقليم ان ترفع مـن حجم التداول التجاري لأذربيجان مع بقية بلدان العالم بشكل كثير، لا سيما مع البلدان المجاورة، مما سينعكس بشكل إيجابي على القوة الاقتصاديه لباكو.
ويضيف ان دور أذربيجان، بمواردها الكبيرة مـن النفط والغاز وطرق النقل المتنوعة، زاد بعد استعادة الإقليم، الي جانب العوامل الاخرى التى لعبت دورا لصالح باكو، ومن أهمها حاجة أوروبا الماسة الي الغاز الأذربيجاني أكثر مـن اى وقت مضى بسـبب التغيرات الجيوسياسية الاخيره وخاصة بعد الحرب على أوكرانيا والتحول عَنْ الغاز الروسي.
ويستشهد بذلك بتشغيل بنية تحتية كبيرة للنقل مـن اثناء خط أنابيب غاز بطول 3500 كيلومتر مـن الحقول البحرية فى بحر قزوين الي أوروبا، والتي -حسب رأيه- تعتـبر مساهمة أخرى فى أمن الطاقة بالمنطقة والعالم على نطاق أوسع.
ليس بتلك السهولة
ويخالفه فى الرَّأْي الباحث بالدراسات الاقتصاديه تورال أزيمزادوف، الذى يوضح أنه رغم ان استعادة أذربيجان للإقليم شكلت حدثا تاريخيا، إلا أنه لا يجوز التسرع فى الحديث عَنْ الفوائد الاقتصاديه المرجوة منه لانه يريد الي ضخ أموال واستثمارات كبيرة لإصلاح البنى التحتية القديمة والمتضررة بسـبب النزاعات العسكرية المتتالية.
وبرأيه، لا بد مـن حزمة تدابير تحفيزية عاجلة، تتضمن -مـن بين أمور أخرى- مزايا ضريبية وجمركية مرتبطة بنظام اقتصادي حصري يجب تقديمها مـن اجل تسريع التنمية الاقتصاديه فى كل منطقتي قره باغ وشرق زانغيزور الاقتصاديتين.
الي جانب ذلك، يرى ان الحكومة الأذربيجانية يجب ان تسارع لتقدم تسهيلات خاصة لرجال الأعمال والمستثمرين الأجانب لكي يتحول الإقليم مع مرور الوقت الي منطقه اقتصادية فعالة ومربحة لباكو، الي جانب ضرورة رفـع مستوى دخل السكان الي المستويات الموجودة دَاخِلٌ أذربيجان.
مشاريع مؤجلة
وحسب أزيمزادوف، فإن انتهاء النزاع المسلح وعودة قره باغ الي سيادة باكو مهم مـن زاوية إيجاد أجواء مواتية لبدء المشاريع الاقتصاديه، لكن التحول الإستراتيجي على المديين المتوسط والبعيد يتوقف على الاعلان ممر زنغزور الإستراتيجي، الذى سيصبح فى حال تنفيذه شريانا عالمـيا حيويا للنقل الدولى تلعب فيه أذربيجان الدور الاساسى.
ويتابع الباحث بالدراسات الاقتصاديه ان روسيا وتركيا مهتمتان أيضا بتنفيذ هذا المشروع، بدرجة لا تقل اهميه بالنسبة لأذربيجان.