اقتصاد

شبح 1987.. الأسباب الكامنة وراء الهلع العالمي فى البورصات

أدى تقرير الوظائف الصادر الجمعة الي تحول مفاجئ فى الرواية الاقتصاديه مـن الهبوط الناعم الي الهبوط القاسي، مما أدى الي البيع الجماعي. أضف الي ذلك مدة مـن هبوط الصخب الزائد حول الذكاء الاصطناعي ورفع بنك اليابان لسعر الفائدة بهدف تقوية الين. وما زاد مـن الذعر، خبر قيام شركة بيركشير هاثاوي التابعة لوورن بافيت ببيع نصف أسهمها فى آبل وزيادة حصتها النقدية.

لكن الأسباب لا يمكن ان تبرر حجم الانهيارات… البيع الجماعي – الذى جاء فيه تراجع سهم شركة “إنفيديا” لصناعة الرقائق الإلكترونية الي 15 بالمئة فى إحدى المراحل – كان كبيراً لأن المستثمرين راهنوا بكل قوتهم على نجاح الشركة. والسؤال هو الي اى مدى سيستمر تفكيك هذه الرهانات والعوامل المؤثرة وراءها. إذا استمر، فهل سيتحول البيع الجماعي الي زيادة الادخار وضعف الاقتصاد، أو ما هو أسوأ مـن ذلك، ان ينهار النظام المالي؟

السؤال هو الي اى مدى قد يصل التراجع عَنْ هذه الرهانات والعوامل المالية التى تقف وراءها؟.. وإذا استمر، فهل سيتحول البيع الجماعي الي زيادة الادخار وضعف الاقتصاد، أو قد يحدث ما هو أسوأ مـن ذلك، ان يضرب النظام المالي؟

أمثلة الماضي المتطرفة للتأثيرات الناجمة عَنْ الانهيارات السوقية الكبيرة هى انهيار عَامٌ 1987، وانهيار شركة لونغ تيرم كابيتال مانجمنت عَامٌ 1998، والأزمة المالية العالميه عَامٌ 2008. التَّارِيخُ ليس مثالياً أبداً، لكن هذا يبدو حاليًا أكثر شبهاً بإصدار (أخف) مـن عَامٌ 1987 مقارنة بالأزمة المالية العالميه السابقة، وفق تقرير على وول ستريت جورنال اطلعت عليه سكاي نيوز عربية.

فى عَامٌ 1987، شهدت سوق الأوراق المالية أكبر هبوط لها فى يـوم واحد على الإطلاق، حيـث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأكثر مـن 20 بالمئة فى يـوم الاثنين الأسود فى أكتوبر. لقد تراكم لدى المستثمرين قدر مفرط مـن الروافع المالية بعد صعود مذهل الي أعلى مستوى فى أغسطس، وأدى الانهيار الي طلبات هامشية كبيرة وتداول آلي مصمم بشكل سيئ أدى الي تفاقم البيع. لكن الاحتياطي الفيدرالي ضخ السيولة فى البنوك، ولم يتخلف الوسطاء عَنْ السداد، واستعاد السوق كل خسائره اثناء عامين. وكان الاقتصاد بخير.

الخبر الجيد هو ان عَامٌ 1987 كان يتعلق بالأسواق فقط: ارتفعت الأسواق ثم عادت للانخفاض، ولم يتأذى أحد آخر. حَقَّق مؤشر S&P 500 عائدًا بنسبة 36% فى الأشهر الثمانية التى سبقت ذروته فى أغسطس 1987، وهو مشابه لارتفاعه بنسبة 33% فى الأشهر الثمانية التى سبقت أعلى مستوى له هذا العام. كَمَا هو الحال اليـوم، كان المستثمرون فى عَامٌ 1987 متوترين ومستعدين للبيع لتحقيق الأرباح غير المتوقعة. الخسائر أقل حتـى الان، ولكن الأنتقالات المربحة انعكست، كَمَا حدث مع السوق ككل فى عَامٌ 1987.

كان الوضع فى عَامٌ 1998 أسوأ بكثير، على الرغم مـن تعافي الأسهم بشكل اسرع. انهار صندوق التحوط LTCM عندما أدى تخلف روسيا عَنْ سداد ديونها الداخلية الي هروب آمن. كان LTCM كبيراً بما يكفي لتهديد انهيار مؤسسات وول ستريت. خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثلاث مرات وجمع مجموعه مـن البنوك لإنقاذ الشركة وتصفية صفقاتها ببطء. استغرق تعافي الأسهم أربعة اشهر فقط، لكن الأموال السهلة ساعدت فى تأجيج فقاعة الإنترنت التى انفجرت بعد ذلك بعامين وأدت الي ركود معتدل وخسائر هائلة للمستثمرين فى أسهم التكنولوجيا.

لا نعرف حتـى الان ما إذا كانـت اى صناديق تحوط قد تم تصفية بسـبب التحركات الكبيرة فى الأسواق، والتي أدت الي خسائر فادحة لمن شاركوا فى “صفقة الكاري” المتمثلة فى الاقتراض الرخيص بالين وشراء العملات ذات العائد الأعلى مثل البيزو المكسيكي أو الدولار. لكن المتداولين يراهنون بالفعل على ان يقلص الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، مع خفض كثير بنسبة 0.5 نقطه مئوية يتم تسعيره فى العقود الآجلة لاجتماع سبتمبر.

النتيجة السيئة حقًا ستكون تكرارًا لسيناريو عَامٌ 2008، لكن هذا يبدو أيضا غير مرجح. صحيح ان بعض البنوك الأميركية الكبرى فشلت العام الماضي بسـبب الرهانات الخاسرة على السندات الحكومية. لكن البنوك أقل تحوطًا مما كانـت عليه، والنظام أقل ترصدًا لأزمة سيولة، حيـث تحمل المقرضون الخاصون المزيد مـن المخاطر التى كانـت تقع على عاتق البنوك لاحقًا. الخسائر الكبيرة ممكنة تمامًا، وقد تواجه صناديق الاستثمار الخاصة مشاكل، لكن هذا سيستغرق وقتًا ولن يخلق نفس الأزمة على مستوى النظام المالي.

الأفضل هو ان يتراجع الزخم الزائد فى سوق الأسهم كَمَا حدث فى عَامٌ 1987 دون خلق مشاكل أوسع، ويفضل ان يكون ذلك بشكل تدريجي أكثر مـن عَامٌ 1987. يمكن ان يؤدي حماس الذكاء الاصطناعي الي هبوط أسعار الأسهم بشكل أكبر بكثير – حتـى بعد انخفاضها بنسبة 30 بالمئة عَنْ أعلى مستوى لها فى يونيو، لا يزال سعر سهم إنفيديا قد تضاعف هذا العام. لكن السوق أقرب بكثير الي المستوى الطبيعي الان، حيـث ارتفع مؤشر ناسداك 100 بنسبة 6 بالمئة فقط حتـى الان هذا العام، وارتفع مؤشر S&P بأقل مـن 9 بالمئة.

إذا هدأ الذعر، وخفض الفيدرالي أسعار الفائدة، ولم ينهار النظام المالي، فيجب ان نشعر بالحظ. لكن سيكون مـن الجيد لو تذكر المستثمرون الشعور بالقلق الذى انتابهم هذا الصباح، وحاولوا ان يكونوا أكثر حكمة وأقل طمعًا فى المضاربة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى