الاخبار العربية والعالمية

خطورة تمييع الغرب وإسرائيل الحق فى الدفـاع عَنْ النفس | آراء سام نيوز اخبار

وقفت قادة الدول الغربيّة بقوّة الي جانب إسرائيل بالقول: إن لها الحقّ فى الدفـاع عَنْ نفسها، وإن هذه الدول سوف توفّر لها كل الإمكانات العسكريّة والسياسيّة للقيام بهذا الحقّ، بل الواجب. وقد ارتكبت إسرائيل، بموجِب هذا “الحقّ” وبموجِب الدعـم الغربي، جرائمَ مروّعة فى قطاع غزّة، أسفرت عَنْ استشهاد أكثر مـن 11 ألفَ شخصٍ و30 ألفَ جريح معظمهم مـن المدنيين (الأطفال والنساء)، كَمَا دمّرت الأعيان المدنية بطريقة منهجية: (مستشفيات، مخابز، مدارس، مساجد، مراكز إيواء، خزانات مياه…).  فما هو الحقّ فى الدفـاع عَنْ النفس؟، وما هى حدوده؟، وهل لإسرائيل، بصفتها دَوْلَةٌ احتلال، الحق فى ذلك؟، ثم ماذا عَنْ حقّ الفلسطينيين فى المقابل، بصفتهم واقعين تحت الاحتلال؟ ولماذا تُميّع الدول الغربية الحقَّ فى الدفـاع عَنْ النفس، فتقرّه للاحتلال وتمنعه عَنْ الجمهور الواقع تحت الاحتلال؟

ويُعَدّ ما قامت به آلة الحرب الإسرائيلية، دليلًا على عمل يتجاوز مبدأ الدفـاع عَنْ النفس وردّ العدوان، ويهدف الي إيقاع عَدَّدٍَ كثيرٍ مـن الضحايا المدنيين

“حقّ” إسرائيل فى دفاعها عَنْ نفسها وَفق القانون الدولىّ

ينصُّ القانون الدولى على انّ للدول الحقَّ فى الدفـاع عَنْ نفسها امامّ اى اعتداء مسلح. يُعرف هذا الحق باسم “الدفـاع عَنْ النفس المشروع”. وقد تمّ تأكيد هذا الحقّ فى المادة 51 مـن ميثاق الأمم المتحدة، والتي تنصّ على ما يلي: “ليس فى هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحقّ الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، فى الدفـاع عَنْ أنفسهم إذا اعتدت قوّة مسلحة على أحد مجموعه الأمم المتحدة، وذلك الي ان يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولى..”.

وبالرغم مـن ضمان المادة 51 مـن ميثاق الأمم المتحدة للدول حقَّ الدفـاع عَنْ نفسها، إلا انّ هذا الحق قد حُصِر فى حدود ردّ العدوان فقط، مـن دون التوسّع باستهداف اهداف أخرى. وبناءً عليه، فإنّ دَوْلَةٌ الاحتلال الإسرائيلي بردّ فعلها غير المتكافئ على العمليّة العسكرية التى قامت بها المقاومة الفلسطينيّة فى السابع مـن أكتوبر، تكون قد تجاوزت حقَّ الدفـاع عَنْ النفس بشكل فاضح.

ويُعَدّ ما قامت به آلة الحرب الإسرائيلية، دليلًا على عمل يتجاوز مبدأ الدفـاع عَنْ النفس وردّ العدوان، ويهدف الي إيقاع عَدَّدٍَ كثيرٍ مـن الضحايا المدنيين، فى الوقت الذى تمتلك فيه ترسانة عسكرية- تُعَدّ الكبرى فى الشرق الأوسط- تشنّ عدوانًا شاملًا غير متكافئ، ومن طرف واحد- ملحقةً الأضرار الجسيمة بالسكّان المدنيين المحميين بالقانون الدولى الإنساني- امام جهة لا تمتلك القوة والعتاد الحربي الذى تمتلكه دَوْلَةٌ الاحتلال.

لا بدّ مـن التذكير بأنّ إسرائيل هى دَوْلَةٌ احتلال بموجِب أحكام القانون الدولى الإنساني. وبعرض بعض مواد اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 الناظمة لسلوك الاحتلال، نجد نصوصًا كثيرة تحثّ دَوْلَةٌ الاحتلال على تزويد السكان بالحاجات الإنسانية التى يحتاجونها، حيـث تتلخص كلها بأنّ مـن واجب دَوْلَةٌ الاحتلال ان تعمل بأقصى ما تسمح به وسائلها على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، ومن واجبها على الأخص ان تستورد ما يلزم مـن الأغذية والمهمات الطبية وغيرها، إذا كانـت موارد الأراضي المحتلة غير كافية. ايضا مـن واجب دَوْلَةٌ الاحتلال تسهيل حرية مرور جميع إرسالات الأدوية والمهمات الطبية وإرسالات الأغذية الضرورية والملابس. ثَمة محددات لممارسة الحقّ فى الدفـاع عَنْ النفس بخصوص سلوك دَوْلَةٌ الاحتلال الإسرائيليّ:

  • لا يوجد فى القانون الدولى ما يسمح لأي دَوْلَةٌ بأن تعلن مـن تلقاء نفسها وضعًا قانونيًا معيّنًا لإقليم لا يخصها. (قطاع غزة إقليم معادٍ).
  • مهما كنت درجة عداء إسرائيل لغزة، فإن العداء يجب ان ينصبّ على الأفعال المعادية لها فى الإقليم، وألا تتذرّع بفكرة العداء حتـى تقوم بعملية إبادة منظمة تقضي على فرص الحياة للسكان.
  • حتـى لو تذرّعت إسرائيل بحقّ الدفـاع الشرعي- اى استخدام الحصار ثم إعلان الحرب رَسْمِيًٌّا- فتلك حجّة داحضة، لأنّ الدفـاع الشرعي يشترط فيه التناسب بين الفعل الضارّ والفعل المشكل للدفاع الشرعي، وألا يتجاوز الحدود المعقولة لردّ الاعتداء، كأن تَنتهك قواعد الحرب وتَقتل المدنيين على النحو الذى نوثقه جميعًا.
  • إنّ إسرائيل دَوْلَةٌ احتلال، ولذلك لا تستطيع إسرائيل ان تعلن الحرب على غزّة، بحجّة الدفـاع عَنْ نفسها؛ لأنّ الاحتلال الطويل الأجل لا يحتفظ للمحتل بأيّة ميزة فى القانون الدولىّ، بل يحقّ لسكان الإقليم المحتل ان يتخلصوا منه بكل ما لديهم مـن سبل وأدوات.
  • فى حالة حدوث اعتداء مسلح، يجب على الدولة التى تمارس حق الدفـاع عَنْ النفس ان تبلّغ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الفور. ويجب على مجلس الأمن اتخاذ خطوات لوقف الاعتداء وحل النزاع سلميًا. با
  • لطبع لم تفعل إسرائيل ذلك فى يـوم مـن الأيام، كَمَا لم يقم مجلس الأمن بدوره الطبيعيّ فى حفظ الأمن والسلم الدوليين، وعطلت الولايات المتحدة أكثر مـن مشروع بحجّة اى مشروع مقترح- طبعًا غير مشروعها- يمكن ان يقوّض حقّ إسرائيل فى دفاعها عَنْ نفسها. بل وأكثر مـن ذلك فقد فرضت إسرائيل حصارًا غير قانوني على قطاع غزة، ثم هى باشرت بالعدوان. بل وأكثر مـن ذلك فلقد سخِرت مـن الأمم المتحدة ومن أمينها العام عندما أدان الأخير العدوان على غزة؛ معلّلًا العملية التى قامت بها المقاومة بأنّها لم تحصل مـن فراغ!
  • إن مـن يلجأ الي الحرب العدوانية يفقد حقّ الادعاء بالدفاع عَنْ النفس، وذلك استنادًا الي مبدأ مستقر فى القانون الجنائيّ، وهو أنه لا يجوز الادعاء بالدفاع عَنْ النفس لمواجهة الدفـاع عَنْ النفس.
  • كَمَا لا يجوز التذرع بالدفاع عَنْ النفس فى مواجهه الأشخاص أو الجماعات أو الدول التى تستخدم القوّة المسلحة فى اطار الحق فـي تقرير المصير (حركات التحرر الوطنيه الفلسطينية)، باعتبار انّ هذا الحق مكفول ومحميّ بموجب قواعد القانون الدولى وهي مـن القواعد الآمرة.
  • أسمت إسرائيل جيشها بجيش الدفـاع، وذلك فى خديعة كبرى للعالم، وإيهامه بأنها تقوم بالدفاع عَنْ نفسها وحماية مواطنيها امامّ “المخربين”. وفي الحقيقة لم يكن جيشها فى يـوم الأيام دفاعيًا بل كل عملياته كانـت هجومية عدوانية، موهِمة العالم مرة ثانية أنها دَوْلَةٌ مستقلّة، وليس دَوْلَةٌ احتلال اقتلعت شعبًا مـن أرضِه (الجمهور الفلسطيني) وأقامت دولتها عليها.
  • وفي الضفة الغربية المحتلة يتعسف جيش الاحتلال فى استخدام الحق فى الدفـاع عَنْ النفس؛ هذا إذا افترضنا جدلًا أنه يمتلك هذا الحق. لقد قتل جيش الاحتلال ومستوطنوه أكثر مـن 270 شخصًا منذ بداية العام الحالي. وبات مـن المسلم به ان القتل هو القاعدة وأن استخدام وسائل أخرى غير قاتلة هو الاستثناء. وكثيرة هى الحالات التى تم توثيقُها بهذا الشأن. واستخدام القوة هو ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، ومن ثم فالوسائل والأساليب المرتبطة بالقتـال يجـب ان تكون لازمة ولا تتجاوز حدود هذه الضَّرورة .

خطورة تمييع الدول الغربية الحقَّ فى الدفـاع عَنْ النفس

استقرَّ العالم بعد نهاية الحرب العالميه الثانية على إنشاء منظمة دولية أسماه الأمم المتحدة، تهتـمُّ بحفظ الأمن والسلم الدوليين والتعاون بين الدول وإتاحة المجال امام الشعوب الواقعة تحت الاستعمار بأن تقرّر مصيرها بكل الوسائل الممكنة، ورفض كل أشكال العدوان، وفضّ النزاعات بالطرق السلمية، وأتاحت الحقّ فى الدفـاع عَنْ النفس وَفق شروط واضحة وصارمة.. كَمَا استقرّ العالم على قواعد وقوانين دولية مكتوبة وعُرفية مـن شأن احترامها ان يساعد الأمم المتحدة على تحقيق مقاصدها.

إنّ الدول الغربية التى ترصد المساعدات العسكرية والسياسية لإسرائيل مـن اجل إطالة أمد الاحتلال وتمنحها، ما لا تستحقّ؛ الحقّ فى الدفـاع عَنْ النفس، بينما تمنعه عَنْ الجمهور الفلسطيني الواقع أساسًا تحت الاحتلال، ثم هى تبالغ فى وصف مقاومة الاحتلال بأنه عمل إجرامي وإرهابي وتغض الطرف عَنْ جرائم الاحتلال المروّعة، إن كل ذلك مـن شأنه:

ان يقوض الثقة بمنظومة الأمم المتحدة والقوانين الدولية خاصة قوانين الحرب. كَمَا مـن شأنه ان يشجع المعتدي على ارتكاب المزيد مـن الجرائم ما دامَ أنه بمنأى عَنْ أية مساءلة أو محاسبة. كَمَا أنه يؤسّس لمزيد مـن الفوضى العالميّة ومزيد مـن سيل الدماء.

وإزاء هذه المخاطر المُحدقة على الأمم المتحدة- (الجمعية العامة، محكمة العدل الدولية، الأمين العام، وكالاتها المتخصصة)، وكذلك المنظمات الدولية- ان تضغط على إسرائيل لمنع تدمير المنظومة الدولية وانتهاك قواعد الحرب قبل فوات الأوان. كَمَا يجب على الدول الغربية ان تتوقف عَنْ دعـم إسرائيل فى انتهاكاتها للقانون الدولىّ، وأن تكفّ عَنْ تزويد الاحتلال بالأسلحة والمواقف السِّيَاسِيَّةُ. أمّا بالنسبة للفلسطينيين- فإنه وعلى الرغم مـن تمييع الغرب وإسرائيل الحقّ فى الدفـاع عَنْ النفس- فعليهم ان يواصلوا كفاحهم مـن اجل حقوقهم المشروعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى