الاخبار العربية والعالمية

المحررة مرح بكير للجزيرة نت: سأدرس المحاماة لمقاضاة الاحتلال دوليا | اخبار سياسة سام نيوز اخبار

القدس المحتلة- صبيحة الثانى عشر مـن أكتوبر/تشرين الاول عَامٌ 2015، خرجت مرح بكير صباحا الي مدرستها فى حي الشيخ جرّاح بالقدس، وفي عودتها أطلق شرطي إسرائيلي 14 رصاصة نحوها، فتهشمت عظام يدها اليسرى مـن الأصابع حتـى الكتف وأُتلفت الأعصاب.

اتُهمت مرح حينها بحيازة سكين ونيتها تنفيذ عملية طعن، بينما تبلغ 16 عاما ونصفا، وحُكم عليها بالسجن الفعلي 8 أعوام ونصف، لكنها تحررت -الامس الجمعة- فى أولى دفعات صفقة تبادل الأسرى التى أُبرمت بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي.

الجزيرة نت أجرت حوارا مع مرح التى دخلت السجن طفلة وخرجت منه ممثلة للأسيرات، وشابة طموحة تسعى للالتحاق بإحدى الجامعات خارج البلاد لدراسة المحاماة، لتدافع عَنْ قضية الأسرى وترفعها فى أروقة المحاكم الدولية لا المحليه فقط.

  • ما الفرق بين مرح بكير عَامٌ 2015 ومرح فى عَامٌ 2023؟

مرح 2015 هى تلك الطفلة التى كانـت تتلقى تعليمها فى الثانوية العامة بالفرع الأدبي على مقاعد إحدى مدارس القدس، وهي التى لم تكن تعرف كثيرا مما يدور حولها. ومرح 2023 هى تلك الشابة التى صقلت اعوام السجن الثمانية شخصيتها بشكل مختلف، فأصبحت أقوى وأكثر صبرا وأقرب الي الله. كنت دائما أردد “مـن كان الله معه فمن عليه؟” وبهذه العبارة تحديت الصعاب لأنني عرفت ان الله لن يتركني فى محنتي. اكتسبت خبرة دَاخِلٌ السجون فى كيفية التعامل مع مختلف شرائح المجتمع ومع الشخصيات المتنوعة، ولدي الان حكمة فى تقدير الامور والمواقف.

  • مررتِ بمراحل عدة اثناء الاعتقال بداية مـن المكوث فى المستشفى، مرورا بالزنازين وليس انتهاء بالتنقل بين السجون، اىُّها أصعب مرحلة؟

هى الأيام والأشهر الأولى فى الاعتقال، كان كل شيء جديدا بالنسبة لي، مكثت 22 يوما فى المستشفى أُجريت لي خلالها عمليتان جراحيتان، ثم تم تسريحي دون ان أكمل علاجي المتمثل بضرورة إجراء عملية جراحية أخرى لمعالجة تلف الأعصاب. نُقلت بعدها الي زنازين سجن عسقلان ومكثت فيها 18 يوما، ومنها الي زنازين سجن الرملة لأسبوعين إضافيين، ومن هناك نُقلت الي سجن الشارون. طيلة مدة الزنازين لم يتابع أحد جروحي ولم يغيروا لي الشاش أو حتـى يفكّوا الغُرز، ووجدت نفسي امام تحدّ كثير بضرورة الاعتناء بنفسي وحدي دون مساعدة مـن أحد، فى اثناء غياب أهلي القسري عني وبالتحديد أمي.

  • كيف اعتنيت بنفسك؟

فى سجن الرملة نقلوني مرتين الي العيادة لأتلقى هناك جلسة علاج طبيعي، لكنني نفرت مـن المعالج فى المرة الثانية، لانه اعلن لي يدك ستصاب بالشلل ولن تتحسن. حفظتُ التمارين اليدوية التى تعلمتها فى الجلستين وبدأت بممارستها وحدي، وعندما وصلت سجن الشارون أقنعتني ممثلة الأسيرات حينها لينا الجربوني بالتردد على العيادة برفقتها للخضوع لجلسات العلاج الطبيعي، وقال لي المعالج إنني سأحتاج عاما كاملا لأتمكن مـن تحريك يدي بشكل طبيعي، لكنني تحديته وواظبت على التمارين وتمكنت مـن تحريكها اثناء 6 اشهر فقط.

  • كيف غدت مرح الطفلة ممثلة للأسيرات ومثلتهن امام ادارة سجن الدامون فى السنوات الأربع الاخيره؟

الأسيرات رشحنني لأمثلهن امام ادارة السجن، ولا أحب ان أتحدث عَنْ نفسي، لكنني بشكل عَامٌ صاحبة شخصية قوية، وتعاملت مع الجميع بودّ واحترام وصدق، وهذا جعل الأسيرات يثقن بي، فتم ترشيحي لأمثلهن امام الإدارة التى لديّ طريقة قوي فى التواصل معها، ولم أتنازل يوما عَنْ اى مطلب أو حق.

  • ما المهام الملقاة على عاتق ممثلة الأسيرات؟

تنهدت ثم اعلنت: ماذا لا تفعل ممثلة الأسيرات؟ هى تفعل كل شيء. أول وأهم وظيفة تتمثل بحماية قسم الأسيرات الأمنيات مـن اى اختراق مـن الإدارة عبر اى ثغرة فى القسم، فمثلا لا يمكن ان تخرج اى أسيرة مـن القسم الي العيادة دون مرافقتي، وهذا ما تعلمناه مـن الممثلات السابقات، لأن المخابرات تترقب عادة ان تستفرد بالأسيرة فى العيادة إذا كانـت وحدها، وتبدأ بطرح أسئلة عليها فى محاولة لتجميع معلومات عَنْ القسم، وقد تقع الأسيرة فى فخ بعض الإجابات التى تظنها عادية.

ومن مسؤولية الممثلة أيضا ترتيـب تنقلات الأسيرات بين الغرف إذا وقعت اى مشكلة وتعذر حلّها، فأقوم على الفور بتقديم طلب للإدارة لنقل الأسيرة لحل المشكلة، دون الإفصاح تحت اى ظرف عَنْ سببها، وتضاف الي ذلك المزيد مـن المهام.

  • هل شكّلت هذه المهام ضغطا عليكِ؟

بالتأكيد، كنتُ أعمل على مدار الساعة، وفي حال حدثت اى مشكلة بالقسم كانـت الإدارة تخرجني مـن الغرفة لحلها حتـى وإن كان ذلك بعد منتصف الليل.

أحيانا تقرر الإدارة عمل عدّ مفاجئ فى القسم فى تمام الرابعة فجرا، وتكمن وظيفتي هنا فى إيقاظ جميع الأسيرات ليقفن بهدف عدّهن. وفي حال قررت ادارة السجن إجراء تفتيش مباغت فإنه يمنع عليها الدخول الي الغرف والاحتكاك بالأسيرات دون وجودي.

اى أسيرة تتعرض لانتهاك أو إهمال طبي أو عائق مع الإدارة، وظيفتي محاربة الإدارة حتـى لو دفعت الثمن بشكل شخصي، وفي بعض الأحيان تستمر الحرب الشفوية بيني وبين الإدارة لمدة شهرين بهدف السماح لإحدى الأسيرات مثلا بالاتصال بشقيقها الأسير. وفي حال لم أُفلح بالمفاوضات الشفوية، نبدأ بإجراءات احتجاجية تصعيدية لنحقق مطلب الأسيرة، ونحن نعلم ان العقاب قد يشمل جميع القسم لكن لا مفر مـن ذلك، هذه مسؤوليات وضغوطات كبيرة بلا شك.

  • كيف تُستقبل الأسيرة الجديدة فى السجن؟

أستقبلها بشكل شخصي وأشرح لها القوانين العامة والأمور الإدارية فى السجن بحيث تعرف طبيعة العلاقة بين الأسيرة والإدارة مـن جهة وحقوقها وواجباتها مـن جانب اخر. ثم تستلم “شاويشة” (مسؤولة) الغرفة الأسيرة الجديدة وتشرح لها الامور والقوانين الداخلية فى القسم، وهكذا نتكامل فى إطلاع الأسيرات الجديدات على القوانين الإدارية والداخلية منذ اليـوم الاول.

  • كيف تبني الأسيرات الخبرة فى التعامل مع السجّان؟

يجب ان يعرف الجميع ان الأسيرات لا يحصلن على اى مطلب عَنْ طريق الحوار، لأن الإدارة لا تفهم سوى لغة الخطوات الاحتجاجية. نُعيد وجبات الطعام، ونرفض الوقوف لإجراء العدد ونتمرد عبر الاعتصام فى ساحة السجن كي يعلموا أننا محتجون ونريد تحقيق المطالب، فننتزعها أحيانا ونعاقب أحيانا أخرى.

عندما دخلنا السجن تعلمنا على يد ممثلة الأسيرات السابقة لينا الجربوني كل شيء، وعندما يستعصي علينا أمر نستعين بالأسرى لأن خبرتهم أطول، بحكم وجود أحكام مؤبدة وأسرى يقبعون فى الأسر مـن اعوام طويلة، وفي بعض الأحيان كان يجب علينا ان نجتهد فأصبنا أحيانا، ودفعنا نتيجه مجازفتنا ضريبة بعقابنا جماعيا فى أحيان أخرى.

  • تعرضتِ لعقوبة العزل الانفرادي مرتين، حدثينا عَنْ هذه العقوبة؟

كانـت المرة الأولى عَامٌ 2021 واستمر عزلي لـ9 أيام فى سجن الجلمة، ثم أُنهي بعد تفـاوض بين قيادة الأسرى وإدارة السجون وأعدت الي سجن الدامون. المرة الثانية كانـت فى السابع مـن أكتوبر المنصرم وفي زنزانة سيئة جدا فى سجن الجلمة أيضا، كنتُ مراقبة بـ4 كاميرات إحداها مسلطة على مكان الاستحمام.

مياه المرحاض كانـت تملأ أرضية الزنزانة ولم أتمكن مـن الصلاة على مدار 20 يوما، لم يحترم السجانون خصوصيتي ووجهوا لي شتائم نابية لا يمكن سماعها أو ترديدها.

سألت عَنْ سبب عزلي، فأخبروني ان جميع ممثلي الأسرى معزولون بسـبب الحرب، ولأنني مؤثرة فى القسم بالإضافة لأسباب لا يمكنهم الإفصاح عنها، لكنها صدرت عَنْ جهات عليا خارج السجون وفق ادعائهم.

  • نعلم أنك تقدمتِ لامتحانات الثانوية العامة فى السجون ونجحتِ بها، ماذا عَنْ تعليمك الجامعي ومستقبلك؟

أريد ان أصبح محامية لأدافع عَنْ الأسرى وقضيتهم ليس فى المحاكم المحليه بل فى الدولية، لأن الانتهاكات التى يتعرضون لها كبيرة جدا، وأعلم ان الضوء يسلط على الأسرى، لكن ليس كَمَا يجب وخاصة الأسيرات التى نشعر دائما أنهن مهمشات. وأتمنى ايضا ان أتلقى تعليمي الجامعي خارج البلاد وهذا ما أطمح إليه.

  • قلتِ لحظة تحررك إن الحياة فى السجون ليست سهلة لكنها ليست صعبة فى الوقت ذاته، ماذا تقصدين بذلك؟

أنا أؤمن بقضاء الله وقدره ومتأكدة ان الأسر هو امتحان مـن الله وأن بيدنا النجاح أو الفشل به. يجب ألا يستسلم الأسير لقسوة السجن وعليه ان يستغل وقته ويطور مـن نفسه، ولدينا المزيد مـن قصص النجاح مـن إكمال للتعليم الجامعي وانتشار للجان الثقافية وغيرها مـن اللجان فى جميع السجون. لا بد مـن تحويل المحنة الي منحة، وقوتنا وتخطينا للصعاب كانـت دائما تزعج ادارة السجن التى كانـت تغضب إذا رأتنا نضحك.

ورغم الصعوبات تخرجت 7 أسيرات مـن جامعة القدس المجانية مؤخرا، بعد محاولات ادارة السجن منع إدخال المزيد مـن الكتب وحتى الروايات، إلا ان الطالبات نجحن وحصلن على درجات أكاديمية عاليه.

  • هل تحررك فى صفقة تبادل كان حلما يراودك اثناء الأسر؟ وما شعورك حيال ذلك الان؟

رافقني شعور داخلي دائم هو أنني والأسيرات جميعا سنتحرر بصفقة تبادل، لأنني كنت أخشى كثيرا التحرر وترك الأسيرات خلفي لشعوري بمسؤولية كبيرة تجاههن.

سعيدة بالتحرر وهذا حق لكل أسير لأن مكاننا ليس فى السجون، لكن المحزن والصعب -وجميعنا رددنا هذه الجملة- أننا لم نكن نريد ان نتحرر مقابل هذا الشلال الكبير مـن دماء الشهداء. للأسف كانـت الصفقة هذه المرة مقابل دم أكثر مـن 14 ألف فلسطيني فى غزة، ونحن بالتأكيد لسنا فرحون بتحررنا امام هذا الدمار الكبير.

حتـى قبل تحرري بيوم واحد كنت مغيبة عَنْ كل ما يجري خارج زنزانتي الانفرادية، لكن عندما خرجت وشاهدت الدمار الكبير عرفت ان ثمن الحرية كان عاليا، وأن الضريبة التى دفعتها غزة لنعود الي بيوتنا كانـت باهظة جدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى