الاخبار العربية والعالمية

الفيلم الكوميدي “حادث عائلي غريب”.. رعب اجتماعي غير مضحك | فن سام نيوز اخبار

لا تختلف شروط “افلام العيد” لدى منتجي هوليود عَنْ غيرهم فى العالم، فالفيلم الخفيف المسلي هو الرائج دائما، والإتقان فى مختلف عناصر الفيلم بدءا بالإخراج وحتى أداء الممثلين لا يبدو شرطا جوهريا، لكن الإضحاك طابع أساسي فيها.

يسعي صناع السينما الأميركية أيضا وضع أفلامهم فى صناديق أنيقة مـن القيم، وخاصة فى موسـم عيد الميلاد، الذى ينزل فى نهاية ديسمبر/كانون الاول، وتنفجر معه شاشات السينما ومنصات البث بأفلام الكريسماس، التى تدور حول -غالبا-  حول القيم الأسرية وضرورة الغفران والحفاظ على روابط الدم.

وفي فيلم “حادثة عائلية غريبة” (Family Switch)، قررت كاتبة السيناريو فيكتوريا ستراوس والمخرج ماك جي إضافة قيمة التحضر المجتمعي عبر الانفتاح على الآخرين والبحث عَنْ مبررات لسلوكهم تحت شعار “ضع نفسك مكان الآخر”.

وتدور قصة العمل حول الأبوين، جيس التى تجسد دورها (جنيفر غارنر) وبيل ووكر الذى يجسد دوره (إد هيلمز) اللذين يبذلان جهدهما للحفاظ على التواصل مع ابنيهما “وايت”، الذى يجسد دوره (برادي نون)، و”سيسي”، وتجسد دورها (إيما مايرز)، وقد خطا الصبيان نحو مرحلة المراهقة، وهو ما يتبعه ميل طبيعي نحو الاستقلالية.

ويتسبب مقابلة بالصدفة مع عجوز غامضة فى تبديل الأجساد بين الأم وابنتها، وبين الأب وابنه، وبين الطفل الرضيع وكلب الأسرة، وفضلا عَنْ كارثية التغيير، فإن ذلك يحدث فى واحد مـن اهم حياتهم، إذ تترقب الأم اختبارا صعبا، تمهيدا للموافقة على صعود مهني حاسم.

وتلعب الابنة مباراة عملية فى وجود مندوب مـن المنتخـب الوطني لاختيار المتميزين، ولدى الابن مقابلة للقبول فى جامعة ييل، كَمَا يشارك الأب فى عرض قد يؤهله مع فرقته الموسيقية للعزف والغناء فى هوليود.

Family Switch (2023) Jennifer Garner, Ed Helms, Lincoln Sykes, Emma Myers, and Brady Noon in Family Switch (2023) CREDIT: IMDB
جينيفر غارنر، إد هيلمز، لينكولن سايكس، إيما مايرز، وبرادي نون فى “حادث عائلي غريب” (آي إم دي بي)

لعبة قديمة

تكاد تكون لعبة تبادل الأجساد مكشوفة تماما، وأيضا، المفارقات المتوقعة نتيجه لذلك التبديل، ومنها سوء الفهم الناتج عَنْ مخاطبة الابن باعتباره الأب، أو استيقاظ أفراد الأسرة ليجدوا أنفسهم قد ناموا فى أَسِرّة بعضهم وغيرها، ورغم ذلك خاطر صناع العمل بالرهان على خفة الأفلام المطلوبة فى موسـم الأعياد وعلى أسماء الأبطال.

واقتبست فكرة الفيلم مـن رواية كوميدية للأطفال، كتبتها ماري رودجرز، ونشرت لأول مرة عَامٌ 1972. وقدمت فى عَدَّدَ مـن افلام، فى أعوام 1976، 1995، 2003، و2018. تتناول الرواية يـومًا مـن حياة أنابيل أندروز البالغة مـن العمر 13 عَامًٌا ووالدتها، اللتين تقضيان اليـوم فى جسدي بعضهما.

ووجدت فكرة الحلول فى الأجساد مجالا واسعا فى السينما، وخاصة فى افلام الخيال العلمي، بدءا بفيلم “الشرطي الروبوت” عَامٌ 1987 للمخرج بيتر ويلر، وليس انتهاء بسطو الكائنات الفضائيه على جسد إنسان واستخدامه للسيطرة على الأرض فى مجموعه “رجال فى الثقب الأسود” مـن بطوله ويل سميث.

ويكشف الفيلم عَنْ حالة الرعب التى تعيشها الطبقة الوسطى الأميركية مـن خسارة الأبناء، والتعرض لحياة الوحدة فى الكبر، وهو أمر متعارف عليه مجتمعيا، حيـث الأحزان المعتادة لمغادرة المراهق منزل الأسرة.

ثمة دراما فاقعة تقف خلف أزمة العمل، ولكنها لا تقتصر على مغادرة الأبناء لبيوتهم فقط، وإنما فى خسارة القدرة على الحوار والتواصل دَاخِلٌ الأسرة الواحدة، إما لافتقاد القدرة على الحوار لدى الأبوين أو للاختلاف الكبير الذى صنعته التكنولوجيا الرقمية.

وكان المشهد الأكثر إتقانا فى العمل هو ذلك الذى حاول خلاله الأبوان الاحتفال بأعياد الميلاد مع أطفالهم، لكنهم انصرفوا رافضين للاحتفال، الي أجهزتهم بين محمول ونظارة رؤية للواقع الافتراضي، وهو رفض لواقع مجتمع ولجوء الي الخيال بعيدا عَنْ سيطرة ذلك الواقع.

تمثيل أم غناء؟

يرصد فريق الممثلين فى العمل حالة أداء مختلفة تماما عما يمكن ان نطلق عليه تمثيلا طبيعيا، فثمة حالة مـن “الافتعال” سيطرت على أداء الجميع بدءا بالمخضرمة جينيفر غاردنر وانتهاء بالممثل المراهق برادي نون، ولعل ذلك الأداء الذى يحمل قدرا مـن الصيغة الغنائية والدلال فى الحوار والحركة يعود بالأساس الي تلك المعادلة المتفق عليها سلفا بين صانع العمل وجمهوره، وهي أننا امام فيلم ترفيهي، قد ينتمي أكثر الي عروض الأعياد والمناسبات على المسارح أكثر مـن السينما.

LOS ANGELES, CALIFORNIA - NOVEMBER 29: Oliver attends the Los Angeles premiere of Netflix's
الكلب أوليفر حضر عرض الفيلم الذى كان أحد أبطاله (غيتي)

لم يرهق المخرج ماك جي كاميراته بمحاولة صنع بلاغة سينمائية أو جمل بصرية ممتعة، بقدر ما كان يلهث وراء المفارقات التى انعكست على أجساد ممثليه فى تقمصهم للآخرين، فالفتاة تعاني مـن ارتداء حذاء ذي كعب عال اضطرت له لحضور مناسبة تخص الأم لأنها على صورتها، والابن فى جسد الأب لا يستطيع ان يواكب الأسرة فى الجري، ويسقط على الأرض متألما بعد خطوات قليلة.

لم تنجح التجربة تبادل الأجساد حتـى قرب نهاية العمل فى إزالة الأزمات الأسرية، التى تتلخص فى رغبة المراهقين فى الاستقلال، وترك الأسرة، ولم تنجح محاولات الأسرة فى اجتياز الاختبارات الأربعة سواء فى كرة القـدم أو الترقي فى العمل أو الالتحاق بجامعة ييل، وهو فشل طبيعي تماما، لأن الجسد باعتباره شكلا للإنسان لا يمكن ان ينفصل عَنْ المحتوى الذى يشكل الصفات الشخصية والخبرات المطلوبة للحياة.

ورغم ذلك، يقرر صناع العمل القفز فوق المنطق، والدفع بحلول درامية خيالية وضعيفة مع ثلاثة مـن أفراد الأسرة، فرغم الفشل فى العرض التقديمي للأم فى عرض مشروعها، تنجح، ورغم كارثية أداء الابنة شكلا اى الأم موضوعا فى مباراة كرة القـدم الحاسمة، يعجب كشاف المواهب بأخلاقها، فيقرر منحها فرصة أخرى، وينجح الأب فى الوصول الي متعهد هوليودي عبر مصارحته بحقيقة الحادث الأسري الغريب الذى أدى الي تبديل الأجساد، بينما ترفض جامعة ييل القبول بالابن.

فكرة نبيلة

لعل الفكرة النبيلة التى أراد صناع العمل الحث عليها، وهي ان يضع الإنسان نفسه فى مكان الآخر، ليلتمس له الأعذار ويفهم دوافعه، هى أجمل ما فى العمل، لكن تقديمها فى موسـم افلام الكريسماس أدى الي استسهال فى صناعة العمل نفسه.

يبقى ان إشارات الفيلم الي تلك العلاقة التكاملية بين أفراد الأسرة هى ما يمـيز العمل، إذ يفاجأ الأب عند ذهابه وهو فى جسد ابنه الي المدرسة، بتنمر زميل له عليه بشكل معتاد، ولأن ذلك الأب كان وجها بارزا فى مدرسته الثانوية قديما، فإنه يتعامل مع الموقف بمهارة وقوة تنتقم لابنه وتحميه التنمر بينما بعد.

ورغم النصيب الأكبر للعلاقة بين الأم وابنتها فإن التفاصيل شبه الكوميدية لم ترقَ لمستوى الإضحاك، واستهلكت فى مفارقات شبه محفوظة وليست متوقعة فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى